أصبحت كلمة التغيير شائعة ومألوفة عكس ما كان عليه الأمر من قبل. لم يعد الأمر الآن يتعلق بتقبّل التغيير، بل باستيعابه وتجربته والتعلم من الإخفاقات بسرعة والبناء عليها.
يمكننا تصنيف التغيير إلى نوعين، تغيير مخطط وتغيير غير مخطط. الفارق الرئيسي بينهما هو أننا نعرف الحالة المستقبلية المنشودة في التغيير المخطط، بينما لا نعرف كيف ستبدو الحالة المستقبلية في التغيير العشوائي غير المخطط. بعبارة أخرى، يمكننا تحديد موعد انتهاء للتغيير المخطط والعمل وفقًا لذلك. أما في حالة التغيير غير المخطط، فلا يوجد موعد نهائي، وسوف نتخبط خلاله في حالة من عدم اليقين.
ويثير ذلك التساؤلات التالية: كيف يتعامل القادة مع التغيير المستمر؟ وما هي متطلبات إحداث تغيير ناجح؟
أصبح التغيير واقعًا حتميًا لا مفر منه في عالمنا اليوم. لذا، يتعين على القادة التفكير في كيفية ترسيخ مفهوم المرونة لدى الأشخاص والمؤسسات حتى يتمكنوا من التعامل مع التغييرات المستمرة والنجاح في تحقيق النتائج المنشودة. عليهم التفكير في مجموعة المهارات التي يمكن للأشخاص والمؤسسات اكتسابها وتطويرها وإتقانها. كما يتعين عليهم المبادرة بترسيخ تلك المهارات في مؤسساتهم لتشكيل قوة عاملة تتسم بالمرونة في مواجهة التغييرات.
حسنًا، ما هي المرونة الشخصية؟
المرونة الشخصية هي القدرة على التكيف مع التغييرات. توجد أربعة جوانب للمرونة الشخصية؛ المرونة الجسدية، والمرونة النفسية، والمرونة الذهنية، والمرونة الروحانية. تنعكس المرونة الجسدية بشكل رئيسي في قوة الجسد وقدرته على التحمل، بينما تنعكس المرونة النفسية في القدرة على التحكم في الانفعالات والعواطف، ومستوى التوقعات الإيجابية والعلاقات الداعمة. أما المرونة الذهنية فتنعكس في القدرة على التركيز والانتباه بشكل مستمر، مع القدرة على تضمين ودمج العديد من وجهات النظر. وفي النهاية، ترتبط المرونة الروحانية بالتزام المرء بقيمه الأساسية وتسامحه مع قيم ومعتقدات الآخرين. (رولين مكارثي، 2016)
ولأن لكلٍ منّا احتياجات مختلفة، يتعين علينا أن نكون على دراية بالجوانب الأربعة والعمل على اكتساب وصقل المرونة في كل جانب. على سبيل المثال، في الجانب البدني، ستحتاج إلى العمل على لياقتك البدنية وقوة التحمل وتحسين نظامك الغذائي وتحديد أوقات الراحة (مثل النوم والاستراحات القصيرة أثناء العمل) من أجل الاستشفاء. وفي الجانب النفسي، ستحتاج إلى العمل على التحلّي بالهدوء والتركيز وتنظيم عواطفك وتعلّم كيفية التفاؤل بشكل واقعي وتطوير المشاعر الإيجابية. وفي الجانب الذهني، ينبغي أن تكون على دراية بأفكارك الذاتية، وكيفية الحفاظ على تركيزك مع الضغوط، وتجنب فخ الإفراط في التفكير والتركيز على الأمور التي يمكن التحكم بها. وأخيرًا، ستحتاج من أجل تطوير المرونة في الجانب الروحاني إلى الوعي بقيم ومعتقدات الآخرين، وإظهار التعاطف، والقدرة على المساعدة، والقيام بالأنشطة الروحانية (مثل الصلاة أو التأمل).
ما هي المرونة المؤسسية؟
المرونة المؤسسية هي القدرة على توقع المؤسسة واستعدادها واستجابتها وتكيفها مع التغير التدريجي والاضطرابات المفاجئة من أجل الصمود والازدهار. (ديفيد دينييه، 2017)
أول إجراء هو توقع التغيير، وذلك من خلال الفحص المستمر للبيئة المحيطة من أجل رصد أي محفزات ينبغي أن تستجيب لها المؤسسة. وبذلك يصبح الأفراد مستعدون ذهنيًا للتغييرات وما يصاحبها من شكوك وضبابية. ولا تقتصر عملية الفحص على الأحداث الخارجية فقط، بل ينبغي أن تركز داخليًا أيضًا لمساعدة الأفراد على توقع ورصد المشكلات والقضايا التي يمكن أن تتطور إلى حوادث أكبر.
والإجراء الثاني هو الاستعداد للتغيير، وذلك من خلال جمع الأفراد معًا للنظر إلى الصورة الكبيرة. ينبغي على القادة توضيح الصورة والتركيز على التحديات التي تواجه المؤسسة وصياغتها بطريقة تخلق تفاهمًا والتزامًا مشتركًا بين الأفراد. كما يتعين على القادة قضاء الوقت في متابعة الأفراد ومشاركتهم من أجل فهم تجاربهم وحوافزهم، إلى جانب خوض غمار بيئة العمل الفعلية من أجل تطوير فهم أعمق للقضايا المطروحة.
والإجراء الثالث هو الاستجابة للتغيير باستغلال موارد المؤسسة وكفاءاتها وقدراتها. سيتعين على القادة تحديد رؤية وأهداف واضحة. سيتيح ذلك للأفراد معرفة الاحتياجات التي ينبغي تلبيتها، وكيفية التكيف مع المستجدات، والأهم، كيفية التراجع إذا لزم الأمر. والإجراء الرابع هو التكيف مع التغييرات من خلال اقتراح عمليات تجريبية جديدة مع الاستعداد لتغيير السلوكيات المتبعة وفقًا لنتائج التجارب الجديدة. ينبغي أن تنطوي السلوكيات والعمليات الجديدة على تحديد المخاطر المؤسسية الحرجة وإدارتها ومتابعتها وجعلها على رأس الأولويات، مع ضمان مواصلة تحسين تلك العمليات باستمرار وفقًا للتغييرات التي تطرأ على بيئة العمل.