إن خوض غمار التغيير بنجاح قد يماثل تماماً الفرق بين البقاء على قيد الحياة أو الانقراض. وفي ظل الوضع الراهن اليوم، فإن المؤسسات بحاجةٍ إلى تعلم كيفية التنقل من خلال التغيير٬ والفشل بسرعة والتعلم منه.
من الأفكار التي قد تتبادر إلى الذهن عند سماع مفهوم التغيير هي رفع مستوى التقنيات والأنظمة، الاندماج أو توسيع النطاق، إعادة الهيكلة التنظيمية. إن هذه العمليات وغيرها الكثير يمكن إدارتها والتخطيط لها. ولكن، كيف يجب التصرف عندما يقع التغيير دون سابق إنذار؟ (على سبيل المثال، تفشي وباء، وقوع كوارث طبيعية، ظهور تقنيات الجديدة)
سيترك هذا النوع من التغيير أثراً كبيراً على المؤسسة وعلى العاملين فيها بحيث يتسم التغيير بعدم وجود مستقبلٍ واضحٍ له (يكون المستقبل ضبابي) دون أن يتضح له موعدٍ نهائي. لذلك يتعين على القادة خوض غمار هذا النوع من التغيير مع التركيز على المستقبل والعمل على تحسين كفاءات وجدارات الأشخاص خلال التغيير.
نظراً إلى حتمية التغيير في عالمنا المعاصر، يتعين على القادة التفكير في كيفية بناء قدرات الأشخاص على الصمود في مواجهة التغيير المستمر وتحقيق نتائج ناجحة. كما ويتوجب عليهم النظر إليه باعتباره مجموعةً من المهارات التي يمكن للأفراد تطويرها وإتقانها. ومن الضروري أيضاً أن يتبع القادة نهجاً استباقياً في اكتساب هذه المهارات كي يعود ذلك بالنفع على مؤسستهم لتنظيمهم وتشكيل قوى عاملة تتسم بالمرونة.
يحتاج القادة إلى تنمية عقلية النمو بحيث يستغل الأشخاص المشاكل كفرصٍ للتعلم ويتعاملوا معها باعتبارها تحدياتٍ مثيرة للاهتمام. بمجرد أن يتبنى الأشخاص عقلية النمو، سيشعرون بأنه يمكن تطوير قدراتٍ جديدة من خلال الممارسة وذلك من شأنه أن يدفع تجاه حب التعلم. تم استحداث مصطلح “عقلية النمو” من قبل كارول دويك، الأستاذة بجامعة ستانفورد. وتنصح كارول القادة بالاحتفاء بجهود الأشخاص الذين يسعوا في هذا الاتجاه لأن ذلك يساعدهم على اكتساب مهارة التعلم. كما ويتعين على القادة أن يكونوا على دراية بالعقلية الثابتة وأن يساعدوا الأشخاص على تغيير الطريقة التي ينظرون بها إلى المواقف. فأصحاب العقلية الثابتة يتجنبون المشاكل بسبب خوفهم من الفشل، فهم يعتقدون أن الذكاء والمواهب من سمات الثبات.
كيف يمكن تطوير عقلية النمو؟
على القادة أن يتعلموا الاستماع إلى عبارات التفكير التي يطلقها أصحاب العقلية الثابتة في المؤسسة. فعندما تواجه المؤسسة تحديات جديدة، قد تُسمَعُ عباراتٍ مثل “هل نحن واثقون من قدرتنا على القيام بذلك؟”، “ليس لدينا المهارات/القدرات الكافية!”، “ماذا سنفعل إن لم ننجح؟”، “كان سيكون من السهل علينا لو كان لدينا….”. ويجب على القادة تشجيع الأشخاص على التفكير بطريقةٍ إيجابية من خلال عبارات مثل “ما الذي نفتقده؟”، “ما الكفاءات/القدرات التي يمكننا البناء عليها؟”، “سنجد حلاً لهذا الأمر معاً”، “إنها رحلة تعلم”، “قد يستغرق هذا بعض الوقت والجهد ولكننا سنصل في نهاية المطاف”.
للمساعدة في تطوير عقلية النمو، فمن الهام تطوير بيئة تعلم آمنة بحيث لا يخشى فيها الأشخاص والفرق من الوقوع بالفشل. وينبغي على القادة التشجيع على القيام بالتجارب وتقديم التغذية الراجعة فذلك من شأنه أن يستجمع شجاعة الأشخاص ويعزز الفضول لديهم بتجربة أشياءٍ جديدة. وسيشعرون بثقةٍ أكبر وهم ينخرطون في مجالاتٍ خارج نطاق ارتياحهم.
يتعين على القادة تشجيع أنفسهم والآخرين على تخصيص بعض الوقت للتفكير والتأمل في الأنشطة ورحلات التغيير التي قاموا بها. ويمكنهم أن يسألوا أنفسهم والأشخاص الآخرين “ما الذي يمكننا فعله بشكلٍ مختلف المرة القادمة؟”. ولا يهدف التفكير هنا فيما سار على نحوٍ خاطئ إلى التمعن في الفشل بدلاً من التركيز على المستقبل من خلال معرفة ما الذي يحتاج إلى تحسين.
تعتمد القدرة على تطوير عقلية النمو في المؤسسة على سلوك القادة تجاه الفشل بحيث يتعين على القائد النظر إلى الفشل باعتباره جزءًا من الرحلة٬ ويجب عليه ألا يقوم بفرض العقوبات أو اللجوء إلى التوبيخ أو غض الطرف عن الأمر. كما يتعين عليهم الاعتراف بإخفاقهم عند وقوعه. ولتشجيع الجميع في المؤسسة، فمن غير الكافي إيقاف السلبية التي تنوط بالفشل، بل ويحتاج القادة إلى تقبل الفشل والثناء على الأشخاص والاعتراف بجهودهم.
لضمان تطوير عقلية النمو لتحقيق التغيير الناجح، فإن الأمر يتطلب أن يكون قادة التغيير مثابرين ودؤوبين في عملهم تجاه الفشل. كما وأن عليهم ترسيخ عقلية النمو في الثقافة التنظيمية بحيث يتحمس الأشخاص لمواجهة التحديات الجديدة.